آثار انهيار الطبقة الوسطى على الاقتصاد

ما هي الطبقة الوسطى؟
الطبقة الوسطى هي فئة اجتماعية ذات دورٍ مؤثّرٍ فيما يتحقّق من نتائج على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية. وتدلّ التجارب السابقة في مجال التنمية على أن نجاح أي نموذجٍ تنمويٍّ جديد في المنطقة العربية يتوقّف على مدى فاعلية دور الطبقة الوسطى في تصميم عمليات التحوّل الاقتصادي والسياسي وتنفيذها
انهيار الطبقة الوسطى يؤدي إلى تفككٍ اجتماعي، وزيادة الفقر والتطرّف، وهجرة العقول، وتدهور القيم والأخلاق، وضعف الاستقرار السياسي، وتراجع القدرة الشرائية، وزيادة الجريمة، حيث تضيع الطبقة الوسطى كحلقة وصل بين الأغنياء والفقراء، مما يهدد النسيج المجتمعي ويدفع الأفراد للبحث عن ملاذات خارج أوطانهم أو الانزلاق نحو التطرّف والفوضى.
الآثار الاقتصادية:
* تراجع القدرة الإنفاقية: عدم قدرتها على الإنفاق على التعليم أو الاستثمار، مما يقلل مساهمتها في التنمية.
* زيادة الفقر: هبوط أفرادها إلى مستويات فقر أدنى، مع زيادة معدلات الفقر بشكل عام.
* هجرة الأدمغة: هجرة المتعلمين بحثًا عن فرص أفضل، مما يؤدي إلى نزيف العقول.
* ركود اقتصادي: ضعف الاستهلاك والإنتاج، وتراجع دور القطاع الخاص.
* صعود الشعبوية: استغلال غضب هذه الطبقة لتصاعد الحركات الشعبوية، كما في الأسواق الناشئة.
الآثار الاجتماعية والنفسية:
* تفكك اجتماعي: فقدان التماسك الاجتماعي وغياب دورها كـ«واسطة العقد».
* تصدّع القيم: انهيار القيم الإيجابية المتعلقة بالعمل والسلوك الأخلاقي.
* زيادة الجريمة والتطرّف: ظهور ظواهر إجرامية وتطرّف ديني أو علماني كناتج للظلم الاجتماعي وغياب العدالة.
* مشاكل أسرية واجتماعية: زيادة معدلات الطلاق، والتسرّب التعليمي، والاضطرابات النفسية مثل الانتحار.
* ضعف الانتماء: شعور المواطنين بالغربة في وطنهم، وعدم اهتمامهم بخسارته.
الآثار السياسية:
* ضعف الدولة: عدم قدرة الدولة على تعبئة مواطنيها لتحقيق مصالح مشتركة.
* عدم الاستقرار: زيادة الاستقطاب في المجتمع، مما يهدد الاستقرار العام.
باختصار، انهيار الطبقة الوسطى يمثل تهديدًا خطيرًا للاستقرار والتنمية في أي مجتمع، ويؤدي إلى تآكل بنيته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
ستة أسباب أدّت إلى انهيار الطبقة الوسطى في المجتمعات الغربية خلال السنوات الأخيرة؟
سؤالٌ يتبادر إلى الذهن، خاصةً مع ارتفاع مستويات الدخل في معظم المجتمعات الغربية، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
وحسب تقريرٍ لموقع «زيرو هيدج» المصرفي الأميركي، صدر قبل أسبوعين، فإن هناك حوالي ستة أسباب رئيسية أدّت إلى تدهور دخول الطبقة الوسطى في هذه المجتمعات، وبالتالي تقلّصها وتراجع نفوذها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في أميركا. وهذه العوامل، كما يحدّدها «زيرو هيدج»، هي:
أولاً: تحويل أعباء كلف معاشات التقاعد والصحة من الدولة والشركات والمؤسسات إلى الموظفين.
ثانياً: انخفاض العائد على الادخار خلال العقد الأخير، وتحديدًا منذ عام 2007 وحتى العام الجاري. حدث ذلك بسبب خفض أسعار الفائدة إلى مستويات صفرية أو مقاربة للصفر، كما جرى عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وهو ما تضرّرت منه الطبقة الوسطى ذات الادخارات المحدودة في حسابات البنوك، واستفاد منه الأثرياء الذين تضاعفت ثرواتهم في أسواق المال.
ثالثاً: ارتفاع كلف التعليم في الجامعات والمدارس، إضافة إلى الصحة والإسكان، في الوقت الذي ظلّت فيه الأجور ثابتة وشبه مجمّدة.
الطبقة الوسطى تتدحرج إلى الفقر
رابعاً: زيادة الضرائب على أفراد الطبقة الوسطى في العقود الأخيرة، التي شهدت انهيار دخل الدول الغربية مع زيادة أعباء الديون.
خامساً: التحوّل في الدورة الاقتصادية للدول الغنية من النمو بمعدلات متقاربة ومستقرة، إلى دورة مضطربة يسيطر عليها الاقتصاد المالي، أي أسواق الأسهم والسندات وأدوات التمويل الأخرى.
وهذه الدورة تناسب أصحاب الثروات، لأنها في لحظات انهيار أسواق المال تحصل على دعم مباشر من الدولة، وفي لحظات الانتعاش تحصد أرباحًا ضخمة، مثلما يحصل حاليًا في سوق «وول ستريت» الأميركي، وما حدث من تطبيق سياسات التحفيز الكمي إبان الأزمة المالية، التي كافأت الأثرياء على حساب أصحاب الأجور.
وأدّى هذا الاضطراب إلى تآكل مدّخرات الطبقة الوسطى في دورات الانهيار، إذ لم يتمكّنوا من بناء ثروة جديدة في دورات الانتعاش، ببساطة لأنهم لا يملكون المال.
سادساً: توجّه الشركات الأميركية في سنوات العولمة نحو توظيف ذوي المؤهلات العلمية العالية بأجور منخفضة من دول آسيا، خاصةً في قطاع التقنية والمحاسبة
ما هي أزمة الطبقة المتوسطة؟
تُعاني الطبقات المتوسطة من التضييق والظلم. فبعد أن كانت تُمثّل عصب الاقتصادات المتقدمة، أصبحت هذه الفئة الاجتماعية والاقتصادية مُهدَّدة بفقدان الوظائف وركود الأجور، مما يُمهّد الطريق لصعود الشعبوية. أمّا في الأسواق الناشئة، فتشهد معدلات نمو الطبقة المتوسطة ركودًا.
ما كان يعنيه أن تكون «من الطبقة المتوسطة» في الماضي
في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان الانتماء إلى الطبقة المتوسطة يعني شيئًا واضحًا وقابلًا للتحقيق: وظيفة مستقرة، منزل يمكن تحمّله بدخل واحد، القدرة على شراء سيارة جديدة، والقدرة على تربية أسرة دون ضغوط مالية مستمرة. ويُعرّف مركز بيو للأبحاث الطبقة المتوسطة بأنها الأسر التي يتراوح دخلها بين ثلثي إلى ضعف متوسط الدخل القومي، مع اختلاف الرقم الدقيق حسب مكان الإقامة.
ورغم أن تعريف الطبقة المتوسطة لم يتغير على مرّ السنين، فإن نسبة المنتمين إليها انخفضت بشكل ملحوظ. ففي عام 1971، كان حوالي 61٪ من الأميركيين ينتمون إلى هذه الطبقة، أمّا في عام 2023 فقد انخفض هذا الرقم إلى 51٪ فقط، وفقًا لتحليل جديد أجراه مركز بيو للأبحاث. ويُعدّ هذا تحوّلًا كبيرًا يُظهر مدى التغيرات التي طرأت على الأوضاع في العقود الأخيرة
وتم توظيف أعداد كبيرة من الهند ودول النمو الآسيوية، بل جرى تحويل الكثير من العمليات التي كانت تنفّذها الطبقة الوسطى في أوروبا وأميركا إلى دولٍ آسيوية، عبر استخدام الكمبيوتر وتقنيات الإنترنت التي سمحت بذلك، وذلك بسبب قلّة التكلفة والأجور.
سابعًا: ارتفاع أجور كبار الموظفين في الشركات من رؤساء مجالس الإدارة والمديرين، وهو ما كشفته الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وقد أدّى ذلك إلى ذهاب مخصّصات الأجور إلى فئة لا تتجاوز نسبتها 5.0٪ من موظفي القطاع الخاص. وجاء هذا التضخّم في أجور كبار الموظفين على حساب أجور أفراد الطبقة الوسطى في الشركات التي يعملون فيها.
ولاحظ مسحٌ أجراه مركز «بيو» الأميركي خلال الشهر الجاري أن الدخل الصافي للعائلة الأميركية المنتمية إلى الطبقة الوسطى في عام 2013، والبالغ 82.56 ألف دولار سنويًا، يعادل تقريبًا دخل العائلة متوسطة الدخل في عام 1983، والبالغ 82.195 ألف دولار، وذلك على الرغم من ارتفاع معدل التضخم وزيادة كلف المعيشة خلال هذه السنوات
أمثلة من الواقع العملي:
لماذا يتزايد عبء الطبقة المتوسطة الهندية؟ لنبدأ بأبرز المشكلات – ركود الأجور وارتفاع النفقات بشكل كبير.
على مدى السنوات الخمس الماضية، لم تشهد الأجور الحقيقية في الهند أي تغيير يُذكر. في الواقع، وفقًا لبيانات مركز مراقبة الاقتصاد الهندي (CMIE)، لم يتجاوز نمو الأجور 0.01%. وقد أثر هذا سلبًا على قطاعات مثل التصنيع والتجزئة، حيث يعمل جزء كبير من الطبقة المتوسطة.
والضربة المزدوجة هي أن عدم المساواة في الأجور يتسع.
تُظهر بيانات منظمة العمل الدولية أن الأثرياء يزدادون ثراءً، بينما لم تشهد الفئات المتوسطة والدنيا من ذوي الدخل المحدود نفس الفوائد. في الواقع، فبينما تمتعت شريحة الـ 10% الأعلى دخلاً بزيادات كبيرة في الأجور خلال العقد الماضي، لم تشهد شريحة الـ 50% الأدنى دخلاً أي نمو يُذكر في أجورها.
وتبلغ نسبة البطالة حالياً 8%.
لا يشهد العديد من العمال أي زيادة تذكر في رواتبهم، حتى مع استمرار ارتفاع تكلفة المعيشة.
بلغ التضخم في أسعار المواد الغذائية 10.9%، بينما بلغ التضخم الإجمالي 6.2%.
أضف إلى ذلك ارتفاع ديون الأسر.
تُضطر العديد من الأسر إلى الاقتراض لمجرد الحفاظ على مستوى معيشتها الحالي. في عام 2024، ارتفعت نسبة ديون الأسر إلى الناتج المحلي الإجمالي في الهند إلى 35%، مما يُشير إلى تزايد الضغوط المالية على الناس. وتعتمد الطبقة المتوسطة، التي لا تملك مدخرات تُذكر ولا تتمتع بأمان وظيفي، بشكل متزايد على الائتمان لتغطية نفقاتها.
وبالتالي، مع انخفاض الدخل المتاح بشكل متزايد، فإن الاستهلاك الخاص من قبل الطبقة المتوسطة، التي تمثل 60% من الناتج المحلي الإجمالي للهند، يتباطأ.
حتى الشركات الكبرى مثل نستله الهند وهندوستان يونيليفر تعاني من ضغوط اقتصادية، حيث سجلت انخفاضاً في الطلب. بل إن المدير العام لشركة نستله حذر من “تقلص الطبقة المتوسطة”، وهو ما يدل على مدى عمق المشكلة.
إذا كانت الطبقة المتوسطة تكافح للحفاظ على قدرتها الشرائية، فهذا يعني أن الاقتصاد القائم على الاستهلاك في خطر جسيم. وتشعر جميع القطاعات بهذا الضغط.
ليس من المستغرب أن ينخفض مؤشر مديري المشتريات (PMI) في ديسمبر إلى أدنى مستوى له في 12 شهرًا عند 56.4. يُعد مؤشر مديري المشتريات (PMI) مؤشرًا رئيسيًا للصحة الاقتصادية، حيث يقيس النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات.
ثم هناك ضريبة السلع والخدمات – النظام الضريبي الذي كان من المفترض أن يبسط حياتنا. لكنه بدلاً من ذلك زاد من معاناتها




